الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن ابن عباس: (في قوله تعالى رواه أبو داود والنسائي. 2 - وعن عروة عن عائشة قالت: (كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته: واللّه لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبداً قالت: وكيف ذلك قال: أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فسكت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى نزل القرآن رواه الترمذي ورواه أيضاً عن عروة مرسلاً وذكر أنه أصح. حديث ابن عباس في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال. وحديث عائشة المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والموقوف من طريق أبي كريب عن عبد اللّه بن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة. قال الترمذي: وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب. قوله تعالى: وقال إسماعيل القاضي: دلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى قال في الفتح: وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف ـ واختلف السلف ـ فيما يكون به الرجل مراجعاً فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها. ومثله أيضاً روي عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة. وقال الشافعي: لا تكون الرجعة إلا بالكلام وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل وأيضاً ظاهر قوله تعالى وقال أحمد بن حنبل بل مباح لقوله تعالى وقد دل الحديثان المذكوران في الباب على أن الرجل كان يملك من الطلاق لزوجته في صدر الإسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية له ثم نسخ اللّه الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة. قوله: (من كان طلق) أي لم يعتد من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق بل حكمه حكم من لم يطلق أصلاً فيملك ثلاثاً كما يملكها من لم يقع منه شيء من الطلاق. 3 - وعن عمران بن حصين: (أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد). رواه أبو داود وابن ماجه ولم يقل ولا تعد. - الأثر أخرجه أيضاً البيهقي والطبراني وزاد: (واستغفر اللّه) قال الحافظ في بلوغ المرام: وسنده صحيح وقد استدل به من قال بوجوب الإشهاد على الرجعة وقد ذهب إلى عدم رجوع الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعي في أحد قوليه. واستدل لهم في البحر بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه قال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها) ولم يذكر الإشهاد وقال مالك والشافعي والناصر أنه يجب الإشهاد في الرجعة واحتج في نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الإنسان لنفسه فإنه لا يجب فيها الإشهاد. ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في تيسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. وأما قوله تعالى 4 - وعن عائشة قالت: (جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك). رواه الجماعة. لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين. 5 - وعن عائشة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: العسيلة هي الجماع). رواه أحمد والنسائي. 6 - وعن ابن عمر قال: (سئل نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل تحل للأول قال: لا حتى يذوق العسيلة). رواه أحمد والنسائي وقال: (قال: لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر). حديث عائشة الثاني أخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية قال الهيثمي: فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرئد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر وروي أيضاً من طريق شعبة عن علقمة بن مرئد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد اللّه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر. قال النسائي: والطريق الأولى أولى بالصواب. قال الحافظ: وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعاً لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي. - وفي الباب - عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر وعن ابن عباس نحوه عند النسائي. وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه. وعن أنس عند الطبراني أيضاً والبيهقي بنحوه أيضاً. وعن عائشة أيضاً حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات: (أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته). قوله: (امرأة رفاعة القرظي) قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة وقيل أميمة. والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة. قوله: (عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي من الزبير. قوله: (هدبة الثوب) بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن هكذا في الفتح. وفي القاموس الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وكذا في مجمع البحار نقلاً عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللاً ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشراً فلو لم يكن كذلك أو كان عنيناً أو طفلاً لم يكفِ على الأصح من قولي أهل العلم. قوله: (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز قال: وأحسب التذكير لغة وقال الأزهري: يذكر ويؤنث وقيل: لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث. وقيل: المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء: ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة. وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك وزاد الحسن البصري حصول الإنزال. قال ابن بطال: شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم. وقال أبو عبيدة: العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلاً. وأحاديث الباب تدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثاً ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدل على ذلك قال ابن المنذر: وهذا القول لا نعلم أحداًً وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن. وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك. قال القرطبي: ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافاً لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو. وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء واستدل بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا وقد قدمنا الكلام على التحليل ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نكاحها وفي ذلك خلاف معروف.
1 - عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: (آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالاً وجعل في اليمين الكفارة). رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلاً وأنه أصح. 2 - وعن ابن عمر قال: (إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولي). - أخرجه البخاري وقال: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر: يوقف المولي بعد الأربعة فإما أن يفيء وإما أن يطلق. 3 - وعن سليمان بن يسار قال: (أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كلهم يقفون المولي). رواه الشافعي والدارقطني. 4 - وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: (سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل يولي قالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق). رواه الدارقطني. حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله. وأثر عمر ذكره البخاري موصولاً من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس. وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ: (يوقف المولي فإما أن يفيء وإما أن يطلق) وهو من رواية طاوس عنه وفي سماعه منه نظر لكن أحرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئاً وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف. وأخرج عبد الرزاق والدارقطني عنه خلاف ذلك ولفظه: قال عثمان إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه. وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح وكذلك روى عنه مالك أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه. وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور بإسناد صحيح. وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه: أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفيء وإسناده صحيح. وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئاً حتى يوقف وإسناده صحيح. وأخرج الشافعي عنها نحوه بإسناد صحيح أيضاً. وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة. وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضاً إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالوا الإيلاء لا يكون طلاقاً حتى يوقف. وأثر سهيل بن أبي صالح إسناده في سنن الدارقطني هكذا أخبرنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أبي أيوب عن عبيد اللّه ابن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ويشهد له ما تقدم وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا ما مضت الأربعة. - وفي الباب - من المرفوع عن أنس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم آلى من نسائه الحديث. وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه وعن ابن عباس عنه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً. وعن جابر عند مسلم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتزل نساءه شهراً. قوله: (آلى) الإيلاء في اللغة الحلف وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته ومن أهل العلم من قال الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء إيلاء إلا أن يحلف المرء باللّه فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا إيلاء إلا في غضب فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون إيلاء. وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق قالا: إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وإن كلمها قبل سنة فهي طالق. وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة. قوله: (وحرم) في الصحيحين أن الذي حرمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وسيأتي. وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى واختلف في سبب الإيلاء فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف أيضاً في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً قالوا فإن حلف على أنقص منها لم يكن مولياً. وقال إسحاق: إن حلف أن لا يطأها يوماً فصاعداً ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعداً كان إيلاء. وجاء عن بعض التابعين مثله. وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنه ينعقد بدون أربعة أشهر لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها. واحتج الأولون بقوله تعالى وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلاً أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته واللّه لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء. وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت اللّه لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. قوله: (فإما أن يفيء) الفيء الرجوع قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه قال: الفيء الرجوع باللسان. ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفيء الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع. وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين. وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود. وعن ابن عباس الفيء الجماع. وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي. قال الطبري: اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء فمن خصه بترك الجماع قال: لا يفيء إلا بفعل الجماع ومن قال الإيلاء الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله. قال في البحر: فرع ولفظ الفيء ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه انتهى. وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة الأشهر. وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة: إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود {فإن فاؤوا فيهن} قالوا وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع ويجاب بمنع الملازمة وبنص وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة. وأخرج أيضاً عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤئب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله. وأخرج أيضاً من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية. وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائناً. وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله.
1 - عن سلمة بن صخر قال: (كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف إلي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بأمري فقالوا واللّه لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته خبري فقال: لي أنت بذاك فقلت: أنا بذاك فقال: أنت بذاك قلت: أنا بذاك فقال: أنت بذاك قلت: نعم ها أنا ذا فأمض فيَّ حكم اللّه عز وجل فأنا صابر له قال: أعتق رقبة فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال: فصم شهرين متتابعين قال: قلت يا رسول اللّه وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال: فتصدق قال: قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشاً ما لنا عشاء قال: اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال: فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم السعة والبركة وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال: فدفعوها إلي). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. - الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة. وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده أيضاً محمد بن إسحاق. قوله: (ظاهرت من امرأتي) الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي. قال في الفتح: وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالباً ولذلك سمي المركوب ظهراً فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل. وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد في القرآن. وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس فلو قال كظهر أختي مثلاً لم يكن ظهاراً وكذا لو قال كظهر أبي وفي رواية عن أحمد أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة. وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع إذ العلة التحريم المؤبد. وعن ابن القاسم من أصحاب الشافعي ولو من الرجال. وعن مالك وأحمد والبتي وغير المؤبد فيصح بالأجنبيات. قوله: (فرقاً) بفتح الفاء والراء. قوله: (فأتتابع) بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء وهو الوقوع في الشر. قوله: (فقال لي أنت بذاك) لعل هذا التكرير للمبالغة في الزجر لا أنه شرط في إقرار المظاهر ومن ههنا يلوح أن مجرد الفعل لا يصح الاستدلال به على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا. قوله: (أعتق رقبة) ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال مالك والشافعي وأكثر العترة لا يجوز ولا يجزئ إعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان. وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصح وتحقيق الحق في ذلك محرر في الأصول ولكنه يؤيد اعتبار الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها: أين اللّه فقالت: في السماء فقال: من أنا فقالت: رسول اللّه قال: فأعتقها فإنها مؤمنة ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزئ المعيبة وقد حكاه في البحر عن أكثر العترة وداود وحكى عن المرتضى والفريقين ومالك أنها لا تجزئ. قوله: (فصم شهرين) ظاهره أن حكم العبد حكم الحر في ذلك وقد نقل ابن بطال الإجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر واختلفوا في الإطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي والهادوية لا يجزيه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه قال: وما ادعاه ابن بطال من الإجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن اللّه تعالى قال {فتحرير رقبة} والعبد لا يملك الرقاب وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها كالمعسر ففرضه الصيام. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهراً أجزأ عنه. قوله: (وحشاً) لفظ أبي داود وحشين. قال في النهاية: يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعاً لا طعام له وقد أوحش إذا جاع. قوله: (بني زريق) بتقديم الزاي على الراء. قوله: (ستين مسكيناً) فيه دليل على أنه يجزئ من لم يجد رقبة ولم يقدر على الصيام لعلة أن يطعم ستين مسكيناً وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك وحكى أيضاً الإجماع على أن الكفارة في الظهار واجبة على الترتيب وظاهر الحديث أنه لا بد من إطعام ستين مسكيناً ولا يجزئ إطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك والهادوية وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر أنه يجزئ إطعام واحد ستين يوماً. قوله: (فأطعم عنك منها وسقاً) في رواية: (فأطعم عرقاً من تمر ستين مسكيناً) وسيأتي الاختلاف في العرق في حديث خولة. وقد أخذ بظاهر حديث الباب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والهادوية والمؤيد باللّه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي وهو مروي عن أبي حنيفة أيضاً أن الواجب لكل مسكين مد وقد تمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعاً وسيأتي واختلفت الرواية عن مالك وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات. 2 - وعن سلمة بن صخر: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال: كفارة واحدة). رواه ابن ماجه والترمذي. 3 - وعن أبي سلمة عن سلمة بن صخر: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه مكتلاً فيه خمسة عشر صاعاً فقال: أطعمه ستين مسكيناً وذلك لكل مسكين مد). رواه الدارقطني وللترمذي معناه. 4 - وعن عكرمة عن ابن عباس: (أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال: يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال: ما حملك على ذلك يرحمك اللّه قالت: رأيت خلخالها في ضوء القمر قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه). رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي وهو حجة في تحريم الوطء قبل التكفير بالإطعام وغيره. ورواه أيضاً النسائي عن عكرمة مرسلاً وقال فيه: (فاعتزلها حتى تقضي ما عليك) وهو حجة في ثبوت كفارة الظهار في الذمة. حديث سلمة الأول حسنه الترمذي. وحديثه الثاني أخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضي الحديث. وحديث ابن عباس أخرجه أيضاً الحاكم وصححه قال الحافظ: ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال. وقال ابن حزم: رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهداً له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس: (أن رجلاً قال: يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال: كفر ولا تعد) وقد بالغ أبو بكر ابن العربي فقال: ليس في الظهار حديث صحيح. قوله: (قال كفارة واحدة) قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي. قوله: (فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه) فيه دليل على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير وهو الإجماع وأن الكفارة واجبة عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها. وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو يوسف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروى عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة مطلقاً وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم. واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئاً منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء واستدلوا بقوله تعالى 5 - وعن خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت: (ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي اللّه فإنه ابن عمك فما برح حتى نزل القرآن رواه أبو داود ولأحمد معناه لكنه لم يذكر قدر العرق وقال فيه: (فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر) ولأبي داود في رواية أخرى: (والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعاً) وقال: هذا أصح. وله عن عطاء عن أوس: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من شعير إطعام ستين مسكيناً) وهذا مرسل قال أبو داود: عطاء لم يدرك أوساً. حديث خولة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده محمد بن إسحاق وسيأتي تمام الكلام على الإسناد. وأخرج ابن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة قالت: (تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها. وأخرج أيضاً أبو داود والحاكم عن عائشة من وجه آخر قالت: كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته. وحديث أوس أعله أبو داود بالإرسال كما ذكر المصنف. قوله: (خولة بنت مالك) وقع في تفسير أبي حاتم خولة بنت الصامت قال الحافظ: وهو وهم والصواب زوج ابن الصامت ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت بن ثعلبة وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد وفي إسناده أبو حمزة اليماني وهو ضعيف وقال يوسف بن عبد اللّه بن سلام أنها خويلة وروى أنها بنت دليح كذا في الكاشف. وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة. قوله: (والعرق ستون صاعاً) هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد اللّه بن حنظلة قال الذهبي: لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضاً محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفاً أن العرق يسع خمسة عشر صاعاً كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم.
|